إن الحمدَ للهِ نَحمدهُ ونَستغفرهُ ونَستعينهُ ونستهديهِ ونشكرهُ، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفُسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِ الله فلا مضلَّ لهُ ومن يضلل فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلـٰه إلا الله وحدَهُ لا شريكَ لَه وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدهُ ورسولُهُ وصفيُّهُ وحَبيبهُ من بعثَهُ الله رحمةً للعالمينَ هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، بلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونَصَحَ الأمّةَ فجزاهُ الله عَنَّا خيرَ ما جزَى نبيًّا من أنبيائه، صلَّى الله عليهِ صلاةً يقضي بها حاجاتنا ويفرّجُ بها كرباتنا ويكفينا بها شرّ أعدائنا، وسلَّم عليهِ وعلى ءالهِ سلامًا كثيرًا، أما بعدُ: فيا عبادَ الله أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله العليّ العظيم، فاتقوه.
يا أحباب رسول الله، يا أحباب حبيب الله، يا عشاقَ محمد: صَلُّوا على رسول الله محمد!
الله عَظَّمَ قَدْرَ جــاهِ محمَّدٍ * فأناله فَضْلاً لديــه عظيمًا
في مُحْكَمِ التنزيلِ قال لخَلْقِهِ * صَلُّوا عليه وسَلِّموا تسليمًا
في شهرِ ربيعٍ الأولِ شَعَّ نُورُ النبيّ محمّدٍ عليهِ الصلاةُ والسلامُ، في الثاني عشرَ من شهرِ ربيعٍ الأولِ كانَ مولدُ خيرِ الكائناتِ محمّدٍ عليهِ الصلاةُ والسلامُ.
والاحتفالاتُ تتوالى، والخُطَبُ في مدحِ نبينا محمدٍ عليهِ الصلاةُ والسلام تتكاثرُ وتَتَلالا، والأناشيدُ والأشعارُ في مدحِ خيرِ البريةِ صلى الله عليه وسلم تتَتَالى وتتعالى، تعلو بها حناجرُ المنشدينَ رغمَ أنوفِ نفاةِ التوسلِ، رغمَ أنوفِ المشبهةِ، رغمَ أنوفِ المجسمةِ مبغضي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. يقولُ الله تعالى في القرءانِ الكريم: }مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمًا{ [سورة الاحزاب].
بُعِثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وكانَ ابنَ أربعينَ. وقَد ولدَ صلى الله عليه وسلم في مكةَ عامَ الفيل، وبُعِثَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ في مكةَ أيضا يدعو إلى الله تعالى، إلى هدي دينِ الإسلامِ الذي سبقَهُ به جميعُ إخوانهِ الأنبياءِ والمرسلينَ.
هذا النبيُّ العظيمُ كانت سيرَتُهُ عَطِرةً. كانَ خُلقه الحَسَنُ معروفًا مشهودًا له بهِ قبلَ النبوةِ وبعدَها. فقد عُرِف صلى الله عليه وسلم مَعَ أنهُ نَشَأ يتيما عُرِف بأنهُ الصادقُ الأمينُ عُرِفَ بالأخلاقِ الساميةِ والعاداتِ الحسنةِ الطيبةِ.
لم تُعرَف على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ولا رذيلةٌ واحدةٌ لا قبلَ النبوةِ ولا بعدَها. اصطفاهُ الله تعالى على العالمينَ، جَعَلَهُ ربُّهُ أكرمَ النبيينَ، فضّلَهُ الله تعالى على جميعِ الخلائقِ أجمعينَ.
هذا النبيُّ العظيمُ الذي يحتفلُ المسلمونَ بمولدهِ لا بُدَّ لنا من أن نُعَرّجَ على صفاتهِ الكريمةِ العظيمةِ، ولا بدَّ لنا من أن نُذَكِّر المسلمينَ بأحكامٍ إسلاميةٍ عظيمةٍ كريمةٍ جاءَ بها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن محبةَ النبيّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ تكونُ بالإيمانِ بهِ صلى الله عليه وسلم.
أليسَ الله تعالى يقولُ في القرءانِ الكريم: }قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ{ [سورة ءال عمران].
فمن أنكرَ نبوةَ محمدٍ عليهِ الصلاةُ والسلامُ فهو مكذبٌ بالله تعالى. ومن شَكَّ في نبوةِ محمدٍ عليهِ الصلاةُ والسلامُ فهو مكذبٌ بالله تعالى. ومن نفى أو توقَفَ في نبوةِ محمدٍ عليه الصلاةُ والسلام لا يكونُ مؤمنًا بالله تعالى؛ وذلكَ لأن الله تعالى قالَ في القرءانِ الكريمِ: }وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا{، وفي غزوةِ تبوكَ أصابَ الناسَ قَحطٌ ومجاعةٌ فأقبلوا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وقالوا لَهُ: يا رسولَ الله لو أذِنتَ لنا فَنَحَرْنا نواضِحَنا، فقالَ لهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "افعلوا" فقالَ عمرُ رضيَ الله عنه: يا رسولَ الله لو أذنتَ لهم قلَّ الرَّكْبُ، ولكن ادعُهُم بفضلِ أزوادِهِم، وادعُ الله لهم عَلَيْهَا بِالبَرَكَةِ. فجعَلَ الواحدُ منهم يأتي بكِسْرةِ خُبْزٍ، والآخرُ يأتي بكفِ تمرٍ، والآخرُ يأتي بكفِ حِنطَةٍ، وبَسَطَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم النّطْعَ ـ الجلدَ ـ فاجتمعَ على النّطعِ شىءٌ يَسيرٌ مما جمعوهُ من مُعَسكرهم، فقالَ لهمُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "خذوا في أوعيَتِكم". فما تركوا في العسكرِ وعاءًا إلا ملأوه وفضَلَتْ فَضْلَةٌ فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسولُ الله لا يلقى الله تعالى بهِما عبدٌ غيرَ شاكٍ إلا دخلَ الجنةَ".
هذهِ معجزةٌ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقد كَثّرَ الله القليلَ بدعائهِ صلى الله عليه وسلم.
فيا أحبتي، الجنةُ حرامٌ على من كذّبَ الله، الجنةُ حرامٌ على من كذّبَ رسولَ الله، الجنة حرامٌ على من شكَّ في وجودِ الله، الجنةُ حرامٌ على من شكَّ في نبوةِ رسولِ الله، الجنةُ حرامٌ على من سخِرَ من الله، الجنةُ حرامٌ على من سَخِرَ من رسولِ الله، الجنةُ حرامٌ على من استهزأَ بالله، الجنةُ حرامٌ على من استهزأَ برسولِ الله، الجنةُ حرامٌ على من سبَّ الله، الجنةُ حرامٌ على من سبَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم . ومات ولم يرجع عن كفره إلى الإسلام بالشهادتين وليس بقول أستغفر الله.
أليسَ الله تعالى يقولُ: }قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ{ أي قُلْ لهم يا محمدُ }قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ{. هذا النبيُّ العظيمُ وجميعُ إخوانهِ من النبيينَ والمرسلينَ الله تعالى اصطفاهم على سائرِ خلقهِ. كلهم موصوفونَ بالصدقِ يَستحيلُ عليهمُ الكذبُ، كلهُم يجبُ لهم الصدقُ فيستحيلُ عليهمُ الكذبُ. أنبياءُ الله تعالى كُلُّهُمْ تجبُ لهم الأمانةُ فتستحيلُ عليهم الخيانةُ. كلهم تجبُ لهم الصيانةُ فتستحيلُ عليهمُ الرذالةُ.
فما يوردُه بعضُ القصّاصينَ، وما يوردُه بعضُ المؤلفينَ من أن نبيَّ الله يوسفَ همَّ بالزنا بامرأةِ العزيزِ ـ عزيزِ مصر ـ فهذا تكذيبٌ للدينِ لا يرضاهُ الله تعالى، منافٍ للإسلامِ والإيمانِ.
وتجبُ لهم الشجاعةُ فيستحيلُ عليهمُ الجبنُ. لا يوجدُ في الأنبياءِ جبَانٌ. الأنبياءُ عليهمُ الصلاةُ والسلامُ يجوزُ في حقهِم الأمراضُ غيرُ المنفرةِ فيستحيلُ عليهمُ الأمراضُ المنفرةُ، فن هنا يُعلم بُطْلانُ ما يُنسَبُ إلى نبيِ الله أيوبَ عليه السلام. إِذْ قَدْ مَرِضَ ثمانيةَ عشرَ عامًا، وأذهبَ الله له جميعَ مالِهِ وجميعَ أولادِهِ، إلا أنهُ لا يصحُّ أن يقالَ: صارَ الدودُ يخرجُ منهُ ويَتَسَاقطُ من بدنهِ، حتى قالوا: إن نبيَّ الله أيوبَ صارَ يلتقطُ الدودَ ويعيدُهُ إلى مكانهِ!! أعوذُ بالله من الشيطانِ الرجيمِ، ما هذهِ السخافاتُ التي يَرويها كثيرٌ من الناسِ في حقِ أنبياءِ الله تعالى ولا يرضَونَها لأنفُسِهم. كثيرٌ من الخطباءِ إن قرأوا صحيفةً أو مجلةً أو سمِعوا خبَر إذاعةٍ يقولونَهُ من غيرِ تحققٍ، يقرأونَهُ ويَرْوُونَهُ على المنبرِ أو في الدرسِ، حتى إن بعضَ الخطباءِ قالوا إن هذهِ الأرضَ متوقفةٌ على ظهرِ حوتٍ ضخمٍ لهُ ستةَ عَشَر ألفَ رأسٍ! ما هذهِ الرواياتُ المختلقَةُ التي يرويها كثيرٌ من القَصَّاصينَ على منابرِ الجُمعةِ.
الأنبياءُ عليهمُ الصلاةُ والسلام كلُّهم نشأوا على الإيمانِ قبلَ النبوةِ وبعدَها لم يحصل منهم شَكٌّ في الله، لم يحصل منهم أيُّ كفرٍ بالمرةِ فيستحيلُ عليهمُ الكفرُ والكبائرُ والرذائلُ وصغائرُ الخسة والدَّناءَةِ قبلَ النبوةِ وبعدَها كَسرقَةِ لُقْمَةٍ، أو حبةِ عنب.
فهؤلاءِ الأنبياءُ العظماءُ، هُمُ الذينَ جعلَهُم الله تعالى قُدوةً للناسِ واننا اليوم نَحتفلُ بذكرى مولدِ سيدِ العالمينَ وخاتمِ الأنبياءِ والمرسلينَ سيدِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرعٍ عظيمٍ بَيَّنَ فيهِ الحلالَ والحرامَ، بيّنَ فيهِ الواجبَ والمندوبَ والمكروهَ، بيّنَ فيهِ الباطلَ والصحيحَ، فطوبى لمن تعلمَ دينَ الله وطَبَّقَ على نفسهِ وعلّمَ والديهِ وزوجتَهُ وأولادَهُ وأحبابَهُ وجيرانَهُ ممن يسمعونَ النُّصحَ. أليسَ الله تعالى يقولُ: }قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ{.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
للموضوع بقية