اللهمّ صلّ و سلّم وبارك على سيّدنا ومولانا محمّد عبير الزّهر في الأكمام، وعلى آل سيّدنا محمّد شمس المعارف الطّالعة وبدر هداية الأنام.
أراه من الآيات أكبر آية***وما زاغ حاشا أن يزيغ المبرّأ
أتاه النـّدا يا سيّد الرّسل لا تخف ***أنا الله منـّي بالتـّحيّات تبدأ
أردناك أحببناك هذا عطاؤنا ***بغير حساب أنت للحبّ مَنشأ ُ
سادتي الأفاضل، يقول الإمام يوسف النـّبهاني رضي الله عنه " لمّا أراد الجليل جلّ جلاله أن يخلق محمّدا صلـّى الله عليه وسلـّم أمر جبريل عليه السّلام أن يأتيه بالطّينة البيضاء التي هي قلب الأرض و بهاء الأرض ونور الأرض قال فهبط جبريل عليه السّلام في ملائكة الفردوس وملائكة الرقيع الأعلى فقبض قبضة رسول الله صلـّى الله عليه وسلـّم من موضع قبره وهي يومئذ بيضاء فعجنت بماء التسنيم وجُعلت كالدرّة البيضاء وغُمست في كلّ أنهار الجنـّة وطِيف بها في السّماوات والأرض والبحار فعرفت الملائكة محمّدا صلـّى الله عليه وسلـّم وفضله قبل أن تعرف آدم عليه السّلام وفضله، ولمّا خلق الله آدم عليه السّلام سمع من تخطيط أسارير جبهته نشيشا كنشيش الطّير فقال سبحانك ما هذا ؟ قال الله عزّ وجلّ يا آدم هذا تسبيح خاتم النـّبيئين وسيّد ولدك من المرسلين صلـّى الله عليه وسلـّم قال فكان نور محمّد صلـّى الله يُرى في دائرة غُرّة آدم كالشّمس في دوران فلكها وكالقمر في ديجور ليلة ظلماء." وقال كعب الأحبار لمّا أراد الله تعالى أن يخلق محمّدا صلـّى الله عليه و سلـّم أمر جبريل أن يأتيه بالطّينة التي هي قلب الأرض فهبط في ملائكة الفردوس وملائكة الرقيع الأعلى فقبضها من محلّ قبره المكرّم وأصلـُها من محلّ الكعبة المشرّفة. وقال الإمام اسماعيل حقـّي في تفسيره روح البيان " لمّا خاطب الله السّماوات والأرض بقوله :( ائتِيَا طوعا أو كرها قالتا آتينا طائعين ). كان العجيب من الأرض موضع الكعبة الشّريفة، ومن السّماء ما حاذاها الذي هو البيت المعمور ووافقهم على الجواب البقيّة ، ولذا جعل الله تعالى لها حرمة على سائر الأرض حتّى كانت كعبة الإسلام وقبلة الأنام ".
وقال الإمام السّهيلي رحمه الله " لم يجبه إلاّ أرض الحرم أي من الأرض "، وقال ابن عبّاس رضي الله عنهما " أصل طينة رسول الله صلـّى الله عليه وسلـّم من سرّة الأرض بمكّة "، وقال السهروردي " هذا يشعر بأنـّه ما أجاب من الأرض إلاّ درّة المصطفى وهي تلك الطّينة، ومن موضع الكعبة دحيت الأرض فرسول الله صلـّى الله عليه وسلـّم هو الأصل في التـّكوين روحا وجسدا والكائنات تبع له، وإنّ الماء لمّا تموّج رمى ذلك العنصر الشّريف و الزّبد اللـّطيف والجوهر المَنيف إلى النّواحي فوقعت جوهرة النّبيء صلـّى الله عليه وسلـّم إلى ما يحاذي تربته بالمدينة "، ولا خلاف بين علماء الأمّة في أنّ ذلك المشهد الأعظم والمرقد الأكرم أفضل من جميع الأكوان حتـّى من العرش والجنان وإليه ذهب الإمام مالك رحمه الله وقال " لا أعرف أكبر فضل لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما من أنـّهما خلقا من طينة رسول الله صلـّى الله عليه وسلـّم لقرب قبرهما من حضرة الرّوضة المقدّسة المفضّلة على الأكوان بأسرها."
فصلـّوا على سيّدنا محمّد تسعدوا بجماله.
اللهمّ صلّ وسلّم على سيّدنا ومولانا محمّد مصدر الإحسان و الإكرام، وعلى آل سيّدنا محمّد الهائمين في الله أشدّ الهيام.
أنلناك في الدّنيا على الرّسل رفعة***وكم لك منْ جاه إلى الحشر يخبأ
أُعدّ لك الحوض الذي من يؤمّه***ويشرب منه شربة ليس يظمأ
أخلاّني من يُحصي مديح محمّد***وفي مدحه كُتـْبٌ من الله تـُقرأ
يا عشّاق رسول الخير والسّلام، يقول الحقّ تبارك وتعالى في محكم التـّنزيل " الذين يتـّبعون الرّسول النـّبيء الأمّيّ الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التـّوراة والإنجيل " – صدق الله العظيم. إنّ هذه الآية الكريمة اِشتملت على أربع صفات لسيّدنا رسول الله صلـّى الله عليه وسلـّم.
الأولى
كونه عليه الصّلاة و السّلام رسولا. وقد اختصّ هذا اللـّفظ بمن أرسله الله إلى الخلق لتبليغ التـّكاليف الشّرعيّة.
الثّانية
كونه صلّى الله عليه وسلّم نبيّا وهو يدلّ على رفعة قدره عند الله تعالى.
الثـّالثة
كونه أمّيّا وهو الذي على صفة العرب، قال عليه الصّلاة والسّلام " إنّا أمّة ٌ أمّيّة ٌ لا نكتـُبُ ولا نحسِبُ ". فالعرب أكثرهم ما كانوا يكتبون ولا يقرأون. والنّبيء صلـّى الله عليه وسلـّم كذلك، فلهذا وصفه الله تعالى بكونه أمّيّا، وأُمّيّة ُ الرّسول كمالٌ على كمالٍ وأمّيتنا نَقصٌ. قال أهل التـّحقيق: وكونه أمّيّا بهذا التـّفسير كان من جملة معجزاته صلـّى الله عليه وسلـّم وبيانه من عدّة وجوه:
الأوّل: إنـّه عليه الصّلاة والسّلام كان يقرأ على النّاس كتاب الله تعالى مرّة بعد أخرى دون تبديل ألفاظه ولا تغيير كلماته، والخطيب من العرب إذا ارتجل خطبة ثمّ أعادها فإنـّه لابدّ أن يزيد فيها وأن ينقص بالقليل أو بالكثير، ثمّ إنـّه عليه الصّلاة والسّلام مع أنـّه لا يقرأ ولا يكتب فهو يتلو كتاب الله من غير زيادة ولا نقصان ولا تغيير فكان ذلك من المعجزات وإليه الإشارة بقوله تعالى: " سنقرئك فلا تنسى ".
الثـّاني : إنـّه صلـّى الله عليه وسلـّم لو كان يحسن الخطّ والقراءة لصار مُتـّهما في أنـّه لربّما طالع كتب الأوّلين فحصّل هذه العلوم من تلك المطالعة فلمّا أتى بهذا القرآن المشتمل على العلوم الكثيرة من غير تعلـُّم ولا مطالعة كان ذلك من المعجزات، وهذا المراد من قوله تعالى : " وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطّه بيمينك إذ ًا لارتاب المبطلون ". ثمّ إنـّه تعالى أعطى لسيّدنا محمّد صلـّى الله عليه وسلـّم علوم الأوّلين والآخرين ما لم يصل إليه أحد من البشر ومع تلك القوّة العظيمة في العقل والفهم لم يتعلـّم الخطّ الذي يسهل تعلـّمه على أقلّ الخلق عقلا وفهما فكان الجمع بين هاتين الحالتين المتضادّتين من الأمور الخارقة للعادة وجاٍر مجرى المعجزات الدّالـّة على نبوّته لأنـّه مع كونه لا يقرأ ولا يكتب ولا يُدارس ظهرت منه العلوم والمعارف اللـّدنيّة وأخبار الأمم السّابقة وشرائعهم واطّلاعه على علوم الأوّلين والآخرين وإحكامه لسياسة الخلق على تنوّعهم وإحاطته بجميع مصالح الدّين والدّنيا وتخلـّقه بكلّ خُلق حسنٍ، وكانت أمّيته عليه الصّلاة والسّلام مرتبطة بالنـّبوءة لأنـّه لم يرد لفظ الأمّيّ في حقّه صلّى الله عليه وسلّم إلاّ مع لفظ النّبيء فلا يفرد لفظ الأمّيّ عنه، يقول الله تعالى في القرآن المجيد، " وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلـّمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما "، وهذه الآية الشّريفة تظهر فضل الله العظيم على سيّدنا محمّد عليه الصّلاة والسّلام مع سائر ما تفضّل به من نِعمِه بإنزاله عليه القرآن الكريم والحكمة وعلـّمه علوم الأوّلين و الآخرين وما كان وما هو كائن إلى يوم الدّين.
وجاءت لفظة التـّعليم بصيغة الماضي في قوله تعالى : " وعلـّمك ما لم تكن تعلم ". يقول أهل الله: ومن كان القلم الأعلى يخدمه، واللـّوح المحفوظ مُصحفه لا يحتاج إلى تصوير الرّسوم ( وهي الحروف والكلمات ).
الصّفة الرّابعة
لسيّدنا رسول الله صلـّى الله عليه وسلـّم التي وردت في الآية السّابقة الذ ّكر هي : " الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التـّوراة والإنجيل "، جاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن سهل مولى خيثمة قال " قرأت في الإنجيل نعت محمّد صلـّى الله عليه وسلـّم إنـّه لا قصير ولا طويل أبيض ذو ضفيرتين ( الشّعر المضفور ) بين كتفيه خاتم، لا يقبل الصدقة ويركب الحمار والبعير ويحلب الشّاة ويلبس قميصا مرقوعا. ومن فعل ذلك فقد برئ من الكبر، وهو من ذرّية اسماعيل إسمه أحمد ".