قال رسول الله: " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله و رسوله أحب اليه مما سواهما و ان يحب المرء لا يحبه إلا لله و أن يكره أن يعود في الكفر كما يكره ان يقذف في النار " [ البخاري ]
فـكما أن البدن بحاجة إلى غذاء لمواصلة الحياة ، فالروح كذالك بحاجة إلى غذاء روحي لمواصلة طريق الإيمان ، و هذا الغذاء له مذاق و طعم خاص لا يشعر به الكثير من الناس ، فكما أن للعسل طعم حلو لا يتذوقه إلا من كان ليس به سقم و لا مرض فهكذا حال المؤمن الذي يطيع الله فهو يتذوق طعم الإيمان و يشعر بالراحة والبهجة عند فعل الطاعات فهو يعلم يقيناً أن أي طاعة يقوم بها إنما هي من توفيق الله عز وجل ، و كما أن العسل لا يشعر بطعمه من كان به سقم أو مهموم فهكذا حال العبد المشغول قلبه عن الله فهو يفعل الطاعة و لا يتذوق طعمها ، و لذا فكل عبادة يقوم بها الغافل إنما تكون عادة أما حال المستيقظ فإنما كل عادة عبادة و ذلك بتجديد النية و إخلاص العبادة لله .
و من الذين يتذوقون طعم الإيمان : من يحبون الله و رسوله مما سواهما ، فهم الذين يقدمون حب و مرضاة الله عن الناس أجمعين ، و هم الذين لا يخافون في الله لومة لائم ، الذين يتبعون لا يبتدعون هم الذين يحرصون على طاعة الله ، و الحُب ليست كلمة تُقال باللسان من غير عمل ! فقد انتشر عند عامة الناس قولهم أن المهم ما ها هُنا " يشيرون على القلب " ! و هذه مقوله باطلة فلو صلُحَ ما في الباطن لصلُح ما في الظاهر ، والحب يلزمه الإتباع ، فقد قال الله تعالى :
(( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ )) آل عمران 31 ، فالحب يلزمه الاتباع ، و لذا قال الشاعر: إن المُحب لمن يُحب مطيع ، فمن أحب الله عز وجل و أحب رسول الله وجب عليه أن يتبع رسول الله و يفعل ما آمره الله به و ينتهي عما نهى الله عنه ، فهذا هو الحُب و ليس كلمة تُقال فقط ، و حُب الله عز وجل جِبلي فطري مفطور في النفوس مركوز في القلوب لم ينكره إلا من كان في قلبه مرض ! و قد قال رسول الله :
" لا يؤمن احدكم حتى أكون أحب اليه من ولده و والده و الناسأجمعين" [البخارى ]
، فيجب أن يفوق حُب الله و رسوله حُب كل إنسان و ُحب كل شئ .
و من الذين يتذوقون طعم الإيمان : من يحبون لله و يبغضون لله ، من يحبون المرء لله فقط ، لا لأي غرض دنيوي ، فهم يحبونهم لطاعتهم و صلاحهم لا لمظهرهم و مكانتهم ، و يكفي أنه من الذين يظلون في ظله يوم لا ظل إلا ظله آخان تحابا في الله إجتمعا عليه و تفرقا عليه ، و الحب في الله أوثق عُرى الإيمان ، و يكفي أن يحتسب العبد نية انه يحبه آخيه في الله لكونه مسلم و بعد ذلك الله عز وجل سيغير نيته ، و الحُب في الله ليست كلمة تُقال فقط بل لابد من مراجعة النية دوماً و سؤال النفس : لمَ أحببت فلاناً في الله ؟ فإن كان لله كان خيراً كثيراً ، و إن كان لغير الله فوجب تغير النية و إصلاحها
و من الذين يتذوقون طعم الإيمان : من يخافون الوقوع في الكفر كما يكرهون أن يقذفو في النار ، و يدخل في ذلك من كان في جاهلية و شر قبل الإلتزام فوجب عليه أن يكره كل عمل كان يقوم به في الجاهلية و يتبرأ منه مخافة أن يعود لهذا الشر ثانياً و يدخل في ذلك من تركوا طريق الغاوية فوجب عليهم أن يتبرءوا من كل عمل قادهم لهذا الشر و من ذلك اصدقاء السوء الذين قادوهم لهذا الطريق فوجب عليهم الابتعاد عنهم و نصحهم ، بإبتعاد مخافة أن يقعوا في ذلك الطريق ثانياً .
نسأل الله أن يرزقنا حُبه وحُب من يحبه وحُب كل عمل يقربنا إلى حُبه