والسـابقـون السابقـون
اٍلحق
الركب .. أدرك القافلة .. اركب معـنا سفينة النجاة .. حث الخطى ، أسرع في السير
عـلّـك أن تنجو من الهلاك .
منذ أن تستيقظ من النوم وأنت في مصارعة مع الشيطان ، ومطاردة مع قرناء السوء من
الدنيا ، والهوى ، والأمل الكاذب ، والخيال المجنّـح .
أفتح دفترك بعـد الفجر ونظم ساعات اليوم ، ملازمة للصف الأول ، وهـو رمز العهد
والميثاق ، وحفظ آية من القرآن أو أيتين أو ثلاث ، وهـو دليل الحب والرغـبة ،
وتجديدي التوبة والاستغـفار ، وهـما بريد القبول والدخول ، وطلب مسألة نافعة ،
وهي علامة الحظ السعـيد ، وصدقة لمسكين ، وركعـتان في السحر ، وركعـتان في
الضحى زلفى الى علام الغـيوب ، والزهـد في الحطام الفاني ، وطلب الباقي شاهـد
على عـلو الهمة .
{ أولئـِكَ الذين هَـداهُم اللهُ وأولئكَ هُم أولوا الألبَـاب }
التـوبـة
هلمّ
إلى الدخـول على الله ، ومجاورته في دار السلام ، بلا نصَب ولا تعـب ولا عـناء
، بل من أقرب الطرق وأسهـلهـا . وذلك أنك في وقت بين وقتين ، وهـو في الحقيقة
عمرك وهـو وقتك الحاضر بين ما مضى وما يستقـبل .
فالذي مضى تصلحه بالتوبة والندم والاستغـفـار . وذلك شيء لا تعـب عليك فيه ولا
نصَـب ولا معاناة عمل شاق ، انما هـو عمل قلب .
وتمتـنع فيما يستقبل من الذنوب ، وامتناعك ترك وراحة ، ليس هـو عملاً بالجوارح
يشق عـليك معاناته ، وانما هـو عزم ونية جازمة تريح بدنك وقبلك وسرّك .
فما مضى تصلحه بالتوبة ، وما يستقبل تصلحه بالامتناع والعـزم والنية . ليس
للجوارح في هذين نصّب ولا تعـب ، ولكن الشأن في عمرك هـو وقتك الذي بين الوقتين
؛ فاٍن أضعـته أضعـت سعادتك ونجاتك ، وان حفظته مع اٍصلاح الوقتين اللذين قبله
وبعـده بما ذكر نجَوتَ وفـُزتَ بالراحة واللذة والنعـيم . وحفظه اشق من اصلاح
ما قبله وما بعـده ؛ فان حفظه أن تلزم نفسك بما هـو أولى بها وأنفع لها وأعظم
تحصيلاً لسعادتها .
وفي هـذا تفاوتَ الناس أعظم تفاوُت ؛ فهي والله أيامك الخالية التي تجمع فيها
الزاد لمعادك : اٍما الجنة ، واٍما النار ؛ فاٍن اتخذتَ اليها سبيلا الى ربك
بلغـتَ السعادة العـظمى والفـوز الأكبر في هـذه المدة اليسيرة التي لا نسبة لها
الى الأبد . وان آثَـرتَ الشهوات والراحات واللهو واللعـب ، انقضت عنك بسرعة ،
وأعـقبـتك الألم العـظيم الدائم ، الذي مُـقاساته ومعاناته أشق وأصعـب وأدوم من
معاناة الصبر عن محارم الله والصبر على طاعته ومخالفته الهوى لأجله .
منـافع تـرك الذنوب
سبحان
الله رب العـالمين ! لـو لم يكن في ترك الذنوب والمعاصي اٍلا اقامة المروءة ،
وصَـون العِـرض ، وحـفظ الجاه ، وصيانة المال الذي جعـله الله قِواما لمصالح
الدنيا والآخرة ، ومحبة الخلق وجواز القول بينهم ، وصلاح المعاش ، وراحة
الأبدان ، وقوة القـلب ، وطيب النفس ، ونعـيم القـلب ، وانشراح الصدر ، والأمن
من مخاوف الفساق والفجار ، وقـلة الهم والغـم والمعصية ، وحصول المخرج له مما
ضاق على الفساق والفجار ، وتيسير الرزق عليه من حيث لا يحتسب ، وتيسير ما عسر
على أرباب الفسوق والمعـصي ، وتسهيل الطاعات عليه ، وتيسير العـلم والثناء
الحسن في الناس وكثرة الدعاء له ، والحلاوة التي يكتسبها وجهه والمهابة التي
تـُلقى له في قلوب الناس وانتصارهم وحميتهم له اٍذا أوذي وظـُـلِـمَ وذَبــُّهم
عـن عـرضه اذا اغـتابه مغـتاب ، وسرعة اجابة دعائه ، وزوال الوحشة التي بينه
وبين الله ، وقرب الملائكة منه وبُـعـد شياطين الانس والجن منه ، وتنافس الناس
على خدمته وقضاء حوائجه ، وخِطبيتهم لمودته وصحبته ، وعـدم خوفه من الموت ، بل
بفرح به لقـدومه على ربه ولقائه له ومصيره اليه ، وصغـر الدنيا في قلبه ، وكبر
الآخرة عنده ، وحرصه على المـُلك الكبير ، والفـوز العـظيم فيها ، وذوق حلاوة
الطاعة ، ووجد حلاوة الايمان ، ودعـاء حَـمَـلة العَـرش ومن حوله من الملائكة
له ، وفرح الكاتبين به ودعـاؤهم له كل وقت ، والزيادة في عـقله وفهمه وايمانه
ومعـرفته ، وحصول محبة الله له واقباله عليه ، وفرحته بتوبته ، وهـكذا يجازيه
بفرح وسرور لا نسبة له الى فرحه وسروره بالمعـصية بوجه من الوجوه .
فهـذه بعـض آثار ترك المعاصي في الدنيا . فاذا مات تلقـَّـته الملائكة بالبشرى
من ربه بالجنة ، وبأنه لاخوف عليه ولا حزن ، وينتقل من سجن الدنيا وضيقهـا الى
روضة من رياض الجنة ينعـم فيها الى يوم القيامة . فاذا كان يوم القيامة كان
الناس في الحر والعَـرق ، وهـو في ظل العـرش . فاذا انصرفوا من بين يدي الله
أخـَـذَ به ذات اليمين مع أولـيائه المتقين وحزبه المفـلحين .
{ ذلك فضـلُ اللهِ يُـؤتيه مَـن يشاء والله ذو الفضل العـظيم }
النـواهي والأوامـر في الأعـضـاء
لله
على العـبد في كل عـضو من أعضائه أمرٌ ، وله عليه فيه نهيٌ ، وله فيه نعمة ،
وله به منفعة ولذة . فاٍن قـام لله في ذلك العـضو بأمره ، واجتنب فيه نهـيَـه ،
فقـد أدى شكر نعمته عليه فيه ، وسعى في تكميل انتفاعه ولذته به . وان عطـَّل
أمر الله ونهيه فيه ، عطَّله الله في انتفاعه بذلك العضو ، وجعله من أكبر أسباب
ألَـمِـه ومضـرّته .
وله عليه في كل وقت من أوقاته عبوديةٌ ، تقـدمه اٍليه وتقـربه منه ؛ فاٍن شغَـل
وقته بعبودية الوقت تقدم ربه ، وان شغله بهوى أو راحة وبطالة تأخر . فالعبد لا
يزال في تقدم أو تأخر ، ولا وقوف في الطريق البتة .
قال تعالى : " لِـمَـن شـاء مِـنكُـم أن يتقـدّمَ أو يتأخـر " [ المدثر: 37 ]
أنواع المواساة للمؤمنين
المواساة للمؤمنين أنواع : مواساة بالمال ، وموساة بالجاه ،ومواساه بالبدن
والخدمة ، ومواساة بالنصيحة والارشاد ، ومواساة بالدعـاء والاستغـفار لهم ،
ومواساة بالتوجع لهم .
وعلى قـدر الايمان تكون هـذه المواساة ؛ فكلما ضعُـفَ الايمان ضعـفت المواساة ،
وكلما قَـوِي قَـويت . وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -أعظم الناس مواساة
لأصحابه بذلك كله ، فلأتباعه من المواساة بحسب اتباعهم له .
ودخلوا على بشر الحافي في يوم شديد البرد وقـد تجرّد وهـو ينتفض ، فـقالوا له :
ما هـذا يا أبا نصر ؟ فـقال : ذكرت الفـقراء وبردهم وليس لي ما أواسيهم به ،
فأحببت أن أواسيهم في بردهم .