إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا ضدَ ولا ندَّ له، وأشهد أنَّ سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرّة أعيننا محمّدًا عبده ورسوله وصفيه وحبيبه، صلى الله وسلمه عليه وعلى كل رسول أرسله.
أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي العظيم، فوالله تقوى الله ما جاورت قلب امرىء إلا وصل . يقول الله تعالى في محكم التنْزيل: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ءال عمران/26 .
ويقول عز من قائل: ﴿وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ءال عمران/29 .
فهذه السماء بكواكبها وأفلاكها وهذه الأرض بفجاجها ومياهها وهذه النبابات بتنوع أشجارها وثمارها وهذه الحيوانات باختلاف أشكالها وأفعالها، كل هذا يدل على عظيم قدرة الله تعالى. فمن عظيم قدرة الله تعالى أن أنطق في المهد صغارًا أحدثكم عن بعضهم في خطبتي هذه، فربنا قادر على كل شىء لا يعجزه شىء أبدًا، فهو الذي أنطق عيسى عليه السلام وهو في المهد ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً﴾.
والغلام الذي أتى به رجل من أهل اليمامة يوم ولد ولقد لفّه في خرقة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا غلام من أنا ؟ فنطق بلسان عربي فصيح قائلاً: "أنت رسول الله ".
وهذا جريج الرجل الصالح في يوم محنته يوم اتهمته امرأة فاجرة زانية بولد حملت به من راعٍ بعد أن مكّنته من نفسها والعياذ بالله فجاء الناس إليه واستنْزلوه وجعلوا يضربونه فقال لهم: "دعوني حتى أصلي" فصلى، فلما انصرف وضع إصبعه في بطن الصبي وقال : "يا غلام من أبوك؟" فأنطق الله تعالى الغلام فقال: "فلان الراعي".
فأقبلوا على جريج يقبّلونه ويتمسّحون به وقالوا: "نبني لك صومعتك من ذهب" قال: "أعيدوها من طين كما كانت".
والماشطة التي ثبّت الله تعالى قلبها على دين الإسلام وهي تشاهد قتل أولادها من قبل الطاغية المتجبّر المتكبّر فرعون، فأكرمها الله تعالى بأن أنطق رضيعها الذي كان بين يديها قائلاً: يا أمهاه اصبري فإنك على الحق" .
ولا ننسى الشاهد، الشاهد الذي شهد ببراءة نبي الله وحبيب الله يوسف عليه السلام بعد أن اتهمته امرأة العزيز بمحاولة الاعتداء عليها بالفاحشة وبرأت نفسها ردّ يوسف عليه السلام هذه التهمة عنه: ﴿قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي﴾ وفي هذا الموقف أنطق الله القادر على كل شىء شاهدًا من أهلها وهو طفل صغير في المهد لتندفع التهمة عن يوسف عليه السلام وتكون الحجّة على المرأة التي اتهمته زورًا لتظهر براءة يوسف عليه السلام واضحة أمام عزيز مصر ووزيرها، فقال هذا الشاهد من أهلها: ﴿وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَمِن الصَّادِقِينَ﴾ أي لأنه يكون قد راودها فدفعته حتى شقّت مقدّم قميصه فتكون التهمة بذلك على يوسف، وحاشا لنبي من أنبياء الله أن يفعل مثل هذه، فالأنبياء الله تعالى حفظهم وعصمهم من الكفر والكبائر وصغائر الخسة قبل النبوة وبعدها، فما من نبي من أنبياء الله يزني أو يهمّ بالزنى.
ثم قال هذا الشاهد: ﴿وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَمِن الصَّادِقِينَ﴾ (سورة يوسف) . أي لأنه يكون قد تركها وذهب فتبعته وتعلقت به من خلف فانشقّ قميصه بسبب ذلك وتكون التهمة بذلك على امرأة العزيز، فلما وجد العزيز أن قميص يوسف قد انشق من خلف خاطب زوجته وقال لها: ﴿إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ (سورة يوسف). أي هذا الذي جرى من مكركنّ أنت راودته عن نفسه ثم لتدفعي التهمة عن نفسك اتهمته بالباطل والبهتان .
وأما قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ سورة يوسف/24. فمعناه أن امرأة العزيز هَمّت بأن تدفعه إلى الأرض لتتمكّن من قضاء شهوتها بعد وقوعه على الأرض وهو همّ بأن يدفعها عنه ليتمكّن من الخروج من الباب لكن لم يفعل هو لأن الله ألْهمه أنه لو دفعها لكان ذلك حجّة عليه عند أهلها بأن يقولوا إنما دفعها ليفعل بها الفاحشة. فالذي يجب أن يُعتقد أن الله تعالى عصم نبيه يوسف عليه السلام ونَزّهَه عن الفحشاء وحماه عنها وصانه منها، كما صان وعصم سائر أنبيائه عليهم الصلاة والسلام .هذا وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، والصلاة والسلام على سيدنا محمد بن عبد الله وعلى ءاله وصحبه ومن والاه .
أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليّ العظيم القائل في محكم كتابه: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ سورة التوبة/60 .
واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ:﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ اللّـهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدَنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾، اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّـهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ اللّـهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ اللّـهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.