الحمدّ لله والصلاة والسلام على أشرف خلق الله
وبعد فإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنّما هما اثنتان الكلام والهدي فأحسن الكلام كلام الله وأحسن الهدي هدي محمد"، ثمّ قال في هذا الحديث: "إياكم والكذب فإنّ الكذب لا يصلح لا في الجِد ولا في المزح ولا يعد الرجل صبيه فلا يوفيّه" رواه ابن ماجة.
يبيّن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أنّ خير الكلام كلام الله أي القرءان وخير الهدي أي السيرة سيرة محمد صلى الله عليه وسلم أي أفضل ما يقتدي به الإنسان من أخلاق إنسان وأعماله هو سيرة محمد لأنه أشرف الأنبياء وخاتمهم، الأنبياء كلّهم على هدى ما فيهم زائغ تائه لكن أكملهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبيان ذلك أنّ الله تبارك وتعالى جعل آخر العالم الإنسان ءادم وذلك لأنه أفضل ممن خلقه الله قبله، أفضل من الملائكة ومن الجان والبهائم والطيور والأشجار وغيرها مما خلق قبله ختم الله أنواع العالم بهذا النوع الإنسانيّ ءادم لأنه أفضلهم أشرف العوالم ثمّ أنزل الله عليه الوحي فكان نبيّا رسولا لولا أنه كان نبيا يأتيه الوحي فيعلم ذريته ما يصلحهم في معاشهم وآخرتهم لكان الناس كالبهائم فكثير من الناس لا يعرفون له فضله قال الله تعالى: {إن الله اصطفى ءادم ونوحا وءال إبراهيم وءال عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض}.
فكما أنّ ءادم جاء آخر الخلق وهو أفضلهم كذلك سيدنا محمد ختم الله به الأنبياء وجعله أفضلهم لهذا الرسول قال عن نفسه: "وأحسن الهدي هدي محمد" كل الأنبياء قدوة خير لكن أفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم بدليل أنّ الله أخذ العهد والميثاق على كل واحد من الأنبياء أنه إن بعث محمد وهو حي أي وهذا النبيّ حي ليؤمنن به والله عالم أنه آخر الأنبياء لا يأتي إلا بعد عيسى بستمائة عام مع ذلك أخذ عليهم العهد.
ثمّ بيّن لنا الرسول أنّ الكذب حرام في حال الجد وفي حال المزح خلافا لما يعتقده كثير من الناس أنّ من كذب مازحا ليس عليه معصية والرسول قال: "إني لأمزح ولا أقول إلا حقا" والجد بكسر الجيم فهو الاجتهاد ومقابل الهزل أي المزح ولا يقال جد فالكذب إن كان فيه ضرر وإن لم يكن فيه ضرر فهو حرام لكنه إذا كان فيه الحاق ضرر بمسلم فهو أشد حرمة وهو من الكبائر، أما إن لم يكن فيه ضرر ولا تكذيب للشرع فهو من الصغائر وإن كان فيه تكذيب للشرع كالقول بأن الرسول عرج إلى السماء وانتهى مكان موجود الله فيه فهو كفر.
وهذه التي يسمّونها كذبة نيسان سنة الكفار والإسلام برئ منها.
ثمّ قال عليه الصلاة والسلام: "ولا يعد الرجل صبيّه فلا يوفيّه" أي لا يجوز للشخص أن يقول لصبيه تعال أعطيك ثمّ لا يعطيه هذا حرام أليس قال أعطيك فليعطه.